السبت، 1 أكتوبر 2016

كحالم غير واقعي... هاروكي موراكامي

كحالم غير واقعي
هاروكي موراكامي
22 يناير 2011م
ترجمة: عبدالله الزماي

          كانت آخر مرة زرت فيها "برشلونة" قبل عامين في فصل الربيع. شاركت في حفل توقيع أحد كتبي, وكنت متفاجئا  كيف اصطف العديد من القراء ليحصلوا على توقيعي. استغرق الأمر أكثر من ساعة ونصف لأتمكن من التوقيع لهم جميعا, لأن العديد من القارئات كن يردن تقبيلي. كل هذا استغرق بعض الوقت.
          شاركت في حفلات توقيع في العديد من المدن الأخرى في جميع أنحاء العالم, ولكن في برشلونة وحدها كان ثمة قارئتان يردن تقبيلي. حتى لو كان لهذا السبب فقط , أدهشني أن برشلونة مكانا استثنائيا تماما. أنا سعيد جدا بالعودة إلى هذه المدينة الجميلة, التي تزخر بمثل هذا التاريخ الغني والثقافة الرائعة.
          لكنني متأسف للقول أن اليوم, علي  أتحدث عن شيء أكثر خطورة من القبلات.
          كما تعلمون جميعا أنه في الساعة الثانية وست وأربعين دقيقة مساء يوم الحادي عشر من مارس, ضرب زلزال ضخم منطقة شمال شرق اليابان. كانت قوة هذا الزلزال كبيرة لدرجة أن الأرض دارت حول محورها بشكل أسرع, وقصر اليوم بمقدار 1,8 مليون جزء من الثانية.
          كانت الأضرار الناجمة عن الزلزال نفسه كبيرة جدا, لكن الفيضان الناجم عن الزلزال تسبب بدمار أكبر بكثير. وصل ارتفاع أمواج الفيضان  في بعض الأماكن إلى تسعة وثلاثين مترا, في مواجهة مثل هذه الموجة الهائلة فإن حتى الطابق العاشر في المباني العادية لا يوفر ملاذا لأولئك الذين وقعوا في طريقه. لم يجد الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الساحل وقتا للهروب, ولقي حوالي أربع وعشرون ألف شخص حتفهم, و حوالي تسعة آلاف منهم ما يزالون في عداد المفقودين. حطمت الموجة الهائلة الحواجز وحملتها بعيدا, ولم نتمكن بعد من العثور على جثامينهم. الكثير منهم على الأرجح قد غابوا في ظلمات البحر المتجمد, حينما توقفت للتفكير بهذا الأمر, وتخيلت أنني قد أواجه مثل هذا المصير المفزع, ضاق صدري.فقد العديد من الناجين أسرهم وأصدقاءهم ومنازلهم وممتلكاتهم ومجتمعاتهم والأشياء الأساسية في حياتهم. دمرت قرى بكاملها تماما. فقد العديد من الناس كل أمل في الحياة.
          أعتقد أن كونك يابانيا يعني أن تعيش مع الكوارث الطبيعية , من الصيف إلى الخريف, تمر الأعاصير بجزء كبير من اليابان. وتسبب كل سنة أضرارا واسعة النطاق, وتفقد العديد من الأرواح. ثمة العديد من البراكين النشطة في كل منطقة. وبالطبع, ثمة العديد من الزلازل. تتموضع  اليابان غير مستقرة على أربع صفائح "تكتونية" في أقصى شرق القارة الآسيوية. يبدو الأمر كما لو أننا نعيش في عش للزلازل.
          يمكننا التنبؤ بمسار وتوقيت الأعاصير إلى حد أكبر أو اقل, لكن لا يمكننا التنبؤ أين ومتى ستحدث الزلازل. كل ما نعرفه أن هذا الزلزال لن يكون الأخير, وأن آخر سيقع بالتأكيد في المستقبل القريب. يتوقع العديد من المختصين أن زلزالا شدته 8 ريختر سيضرب "طوكيو" في العشرين أو الثلاثين سنة القادمة. قد يحدث في غضون عشر سنوات, وقد يحدث بعد ظهر الغد. لا أحد يمكنه التنبؤ بأي يقين عن مدى الأضرار اللاحقة لو أن زلزالا داخليا ضرب مثل هذه المدينة المكتظة بالسكان مثل طوكيو.
          على الرغم من هذه الحقيقة ثمة ثلاثة عشر مليون نسمة يعيشون حياة عادية في منطقة طوكيو وحدها. يستقلون القطارات المزدحمة للذهاب إلى مكاتبهم, ويعملون في ناطحات السحاب. حتى بعد أن وقع هذا الزلزال, لم أسمع أن عدد سكان طوكيو قد انخفض.
          لماذا؟ قد تتساءلون. كيف يمكن للكثير من الناس أن يمارسوا حياتهم الطبيعية في هذا المكان الرهيب؟ ألا يصيبهم الهلع ؟
          لدينا في اللغة اليابانية كلمة (無常). تعني أن كل شيء سريع الزوال. كل شيء وجد في هذا العالم يتغير وسيختفي في نهاية المطاف. لا يمكن لشيء أن يعتبر أبديا أو غير قابل للتغيير. اشتقت هذه الرؤية للعالم من الديانة "البوذية", لكن فكرة (無常) ذابت في روح الشعب الياباني خارج السياق الديني, ورسخت في الوعي العرقي المشترك منذ العصور القديمة.
          فكرة أن كل شيء إلى زوال هي تعبير عن "الاستسلام ", فنحن نعتقد أنه لا فائدة من مواجهة الطبيعة. على العكس من ذلك, يجد الشعب الياباني تعبيرا إيجابيا للجمال في هذه الحالة من الاستسلام .
          إذا كنا نفكر في الطبيعة على سبيل المثال, فنحن نعتز بأزهار الكرز في الربيع واليراعات في الصيف, وأوراق الأشجار الحمراء في الخريف. من الطبيعي بالنسبة لنا أن ننظر إليها بشغف, كلها كشكل من التقاليد. قد يكون من الصعب العثور على غرفة في فندق بالقرب من المواقع المفضلة المعروفة بأزهار الكرز واليراعات وأوراق الشجر الحمراء في موسم كل منها, حيث أن مثل هذه الأماكن مزدحمة دائما بالنزلاء.
          لماذا يحدث هذا؟
          يمكن أن تجدوا الإجابة في حقيقة أن أزهار الكرز واليراعات وأوراق الشجر الحمراء تفقد جمالها في غضون فترة قصيرة من الزمن. إننا نسافر من بعيد لنشهد هذه اللحظة المجيدة. ونشعر بالارتياح نوعا ما من أنها ليست جميلة فحسب, بل هي بالفعل بدأت تسقط على الأرض, لتفقد بريقها الضئيل أو جمالها الحي. نجد راحة البال في حقيقة أنها وصلت لذروة الجمال وبدأت تتلاشى بالفعل.
          لا أعرف إن كانت قد أثرت الكوارث الطبيعية بمثل هذه العقلية. مع ذلك, أنا متأكد أنه في معنى من المعاني  سنكون قادرين بشكل جماعي من التغلب على الكوارث الطبيعية المتتالية, ونتقبل ما لا يمكن تجنبه بحكم هذه العقلية. ربما أن بعض التجارب أيضا قد شكلت مفهوم الجمالية لدينا.
          الأغلبية الساحقة من الشعب الياباني قد صدموا بشدة من هذا الزلزال. في حين أننا قد نكون اعتدنا على الزلازل, ما زلنا غير قادرين على تفهم حجم الدمار. نشعر بالعجز أو الحرص على مستقبل بلدنا.
          سنجمع في نهاية المطاف الطاقة الذهنية اللازمة لننهض ونعيد البناء. ليس لدي أية مخاوف معينة في هذا الصدد.
          بهذه الطريقة صمدنا طوال تاريخنا الطويل. هذه المرة أيضا, بالتأكيد لن نظل جامدين في حالة الصدمة إلى الأبد. يمكن أن يعاد بناء المنازل المحطمة والطرق المقطوعة يمكن أن تستعاد.
          بإمكانكم أن تقولوا أننا نعيش كضيوف غير مدعوين على كوكب الأرض. كوكب الأرض لم يطلب منا أن نعيش هنا. إذا اهتزت الأرض قليلا لا يمكننا أن نشكو لأن الاهتزازات من وقت لآخر هي مجرد واحدة من سلوكيات الأرض الطبيعية. سواء أعجبنا ذلك أم لا, يجب أن نتعايش مع الطبيعة.
          ما أود التحدث عنه هنا هو ليس شيئا من هذا قبيل المباني والطرق التي يمكن إعادة بنائها, ولكن بدلا من ذلك عن الأشياء التي لا يمكن إعادة بنائها بسهولة كالأخلاق والقيم. هذه الأمور ليست ملموسة ماديا. إذا انكسرت مرة فمن الصعب استعادتها, ولا يمكن ان يتحقق هذا بواسطة الآلات والعمال والمواد.
          ما أود التحدث عنه بمزيد من الاهتمام  هو محطة "فوكوشيما" للطاقة النووية.
          غالبا  فإنكم تعرفون أنه لم يتم بعد اصلاح ثلاثة من أصل ستة من المفاعلات النووية التي تضررت من الزلزال و الفيضان, واستمرت في تسريب الإشعاع من حولها. وقعت الانهيارات وتلوثت التربة المحيطة بها. وقد غابت  المياه التي ربما تحتوي على نسب عالية من الإشعاع في المحيط, وحملت الرياح الإشعاع إلى مناطق أبعد.
          مئات الآلاف من الناس أخلوا منازلهم ومزارعهم وهجرهم ومصانعهم ومراكزهم التجارية وموانئهم وتخلوا عنها تماما, هجروها الآن. أولئك الذين عاشوا هناك قد لا يتمكنوا من العودة للعيش هنا أبدا. إنه لمن المحزن لي أن أقول أن الأضرار الناجمة عن هذا الحادث ليست مقصورة على اليابان, ولكنها ستمتد إلى الدول المجاورة كذلك.
          السبب في حدوث هذا الحادث المأساوي هو أقل أو أكثر وضوحا. لم يتصور الأشخاص الذين أنشئوا هذه المحطات النووية أن فيضانا  كبيرا سيضربها . أشار بعض الخبراء أن فيضانا على مستوى مماثل ضرب هذه المناطق سابقا , وأصروا على أنه يجب إعادة النظر في معايير السلامة. ومع ذلك, تجاهلتهم شركات الطاقة الكهربائية. كغيرها من المشاريع الاستثمارية لم ترغب هذه الشركات أن تنفق أموالا اضافية  للإعداد لفيضان قد يحدث مرة واحدة فقط كل بضع مئات من السنين.  
          يبدو لي أن الحكومة التي من المفترض أن تضمن أقصى تدابير السلامة والأمان الممكنة لبناء المحطات النووية, خفضت هذه المعايير الوقائية من أجل تعزيز توليد الطاقة النووية.
          يجب علينا التحقق في هذه الحالة, من وجود الأخطاء التي يجب تصحيحها. اضطر مئات الآلاف من الناس لترك أراضيهم, ورأوا حياتهم تنقلب رأسا على عقب. نحن غاضبون من هذا, هذا الغضب هو مجرد غضب طبيعي.
          لسبب ما, نادرا ما يغضب الشعب الياباني. نحن نعرف كيف نكون صبورين  لكن لسنا جيدين في اظهار غضبنا  . نحن بالتأكيد مختلفون عن الناس في "برشلونة" في هذا الصدد. لكن هذه المرة حتى الشعب الياباني أصبح غاضبا بشكل جدي.
          في الوقت نفسه يجب أن نكون ناقدين لأنفسنا على التسامح والسماح لهذه الأنظمة الفاسدة بالبقاء حتى الآن.
          يجب ألا ينفصل هذا الحادث عن أخلاقنا وقيمنا.
          تفرد الشعب الياباني كما تعرفون في تجربة الهجمات النووية. ألقت طائرات أمريكية قنبلتين ذريتيين في أغسطس عام 1945م على اثنتين من المدن الرئيسية "هيروشيما وناجازاكي" مما أدى إلى مقتل أكثر من مائتي ألف نسمة.أغلب الضحايا من المدنيين العزل والأشخاص العاديين. مع ذلك, ليس هذا هو الوقت المناسب بالنسبة لي لمراجعة الحق والباطل في هذا.
          ما أود الإشارة إليه هنا ليس أن مائتي ألف نسمة لقوا حتفهم عقب الانفجار النووي, ولكن أيضا أن العديد من الناجين أخذوا يموتون لاحقا من أثر الإشعاع على مدى فترة طويلة من الزمن. وكانت معاناة أولئك الضحايا هي من أظهرت لنا الدمار الرهيب الذي جلبه الإشعاع للعالم ولحياة الأشخاص العاديين.
          كان لدينا سياستان بعد الحرب العالمية الثانية. كانت واحدة العمل على الانتعاش الاقتصادي, وكانت الأخرى الابتعاد عن الحروب. أردنا التخلي عن استخدام القوات المسلحة, والنمو بازدهار أكبر, و تحقيق السلام. أصبحت هذه الأفكار هي السياسات الجديدة ليابان ما بعد الحرب.
          نحتت الكلمات التالية على النصب التذكاري لضحايا القنبلة النووية في "هيروشيما" :"دع جميع الأرواح هنا ترقد بسلام, لأننا يجب ألا نكرر الشر".
          هذه الكلمات النبيلة في الواقع, التي تعترف أننا في الحقيقة ضحايا وجناة في الوقت نفسه. هذا صحيح أيضا عندما يتعلق الأمر بالطاقة النووية. نحن جميعا ضحايا. علاوة على ذلك, منذ أطلقنا العنان لهذه القوة, ثم لم نستطع منع أنفسنا من استخدامها, فنحن جناة أيضا.
          بعد ست وستين سنة من الانفجار النووي, تنشر الآن مفاعلات "فوكوشيما داي آشي" النووية اشعاعاتها منذ ثلاثة أشهر, لوثت التربة والمحيطات والهواء من حولها. لا أحد يعلم كيف ومتى يمكننا أن نوقف هذا. هذا المصدر الثاني للدمار الناجم عن الطاقة النووية في اليابان, لكن في هذا العصر لا احد يلقي قنبلة ذرية, نحن اليابانيون مهدنا بطريقتنا الخاصة لهذه المأساة. ارتكاب أخطاء جسيمة وساهمنا  بتدمير أراضينا و أرواحنا .
          لماذا حدث هذا؟ ماذا حدث لرفضنا للطاقة النووية بعد الحرب العالمية الثانية؟ ما الذي أفسد أهدافنا لمجتمع سلمي ومزدهر, والذي كنا نسعى إليه بجد؟
          السبب بسيط. السبب هو "الكفاءة".
          أصرت شركات الطاقة الكهربائية على أن المحطات النووية توفر نظاما فعلا لتوليد الطاقة. بعبارة أخرى, كان النظام الذي يجعلهم يستخلصون الربح. من جانبها شككت الحكومة اليابانية باستقرار إمدادات النفط, لاسيما منذ أزمة النفط, وروجت لتوليد الطاقة النووية كسياسة وطنية. أنفقت شركات الطاقة الكهربائية مبالغ طائلة من المال على الإعلانات, وبالتالي رشت وسائل الإعلام لتلقين الشعب الياباني بوهم أن توليد الطاقة النووية آمنا بالكامل.
          و في وقت وجيز كانت 30% من الكهرباء يتم توليدها بواسطة الطاقة النووية. اليابان الدولة الكائنة على جزيرة صغيرة كثيرا ما تتعرض للزلازل, أصبحت ثالث بلد رائد في توليد الطاقة النووية, قبل  حتى أن يدرك الشعب الياباني ما حدث.
          تجاوزنا نقطة اللاعودة, لقد تم ذلك بالفعل. أولئك الذين يشككون بتوليد الطاقة النووية يواجهون الآن السؤال المخيف "هل ستكون بجانب النقص في الطاقة الكهربائية؟". الشعب الياباني وصل حد  الإيمان بأن الاعتماد على الطاقة النووية أمر لا مفر منه. العيش دون مكيفات أثناء الصيف الياباني الحار والرطب أشبه بالتعذيب. نتيجة لذلك, أولئك الذين يضمرون الشك حول توليد الطاقة النووية وصموا بأنهم "حالمون غير واقعيين".
          هكذا وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم. محطات الطاقة النووية التي كان من المفترض أن تكون فعالة, بدلا من ذلك تعرض لنا صورة من الجحيم. هذا هو الواقع.
          ما يسمى بالواقع  الذي  أعلن عنه هؤلاء الذين يروجون للطاقة النووية, مع ذلك, هي ليست واقعا  على  الإطلاق. ليس أكثر من راحة سطحية", حيث يختلط منطقهم المعيب مع الواقع نفسه.
          شكل هذا الوضع انهيار أسطورة ما يتعلق ببراعة اليابان التكنولوجية, التي كان الشعب الياباني فخورا بها, بالإضافة إلى ذلك, سمح هذا المنطق المشوه أن يمثل هزيمة للأخلاق والقيم اليابانية الحالية. نحن الآن نلقي اللوم على شركات الكهرباء والحكومة اليابانية, وهذا حقيقي وضروري. مع ذلك, في الوقت نفسه يجب أن نشير بأصابع الاتهام إلى أنفسنا. نحن ضحايا وجناة في الوقت نفسه, ويجب أن نأخذ هذه الحقيقة على محمل الجد. إذا فشلنا بالقيام بذلك, سنقع في نفس الخطأ مرة أخرى.
          "دع جميع هذه الأرواح ترقد هنا بسلام, لأننا يجب ألا نكرر الشر".
          يجب أن نحفظ الكلمات عن ظهر قلب.
          ذهل الدكتور روبرت أوبنهايمر الذي كان المهندس الرئيسي للقنبلة الذرية من الدمار الذي لحق بهيروشيما وناجازاكي جراء الهجمات النووية. قال ذات مرة للرئيس ترومان :"السيد الرئيس, ثمة دم على يدي".
          تناول ترومان منديلا أبيض شفافا وأنيقا من جيبه وقال :"امض بتنظيفهم".بالطبع ليس ثمة منديل نظيف في العالم كبير كفاية لإماطة هذه الكمية الكبيرة من الدم.
كان من المفترض علينا كيابانيين أن نقول لا بشكل صارم للطاقة النووية هذا ما اعتقده
          كان علينا نحن اليابانيون أن نعمل على تطوير مصادر بديلة للطاقة لتحل على المستوى الوطني محل الطاقة النووية, من خلال عصارة كل التكنولوجيا القائمة والحكمة ورأس المال الاجتماعي. حتى لو سخر منا الناس في جميع أنحاء العالم بقولهم :"الطاقة النووية هي نظام التوليد الأكثر فعالية والشعب الياباني غبي فعلا في عدم استخدامه", ينبغي أن نبقي على نفورنا من الطاقة النووية المحفز بتجربتنا السابقة مع الأسلحة النووية.
كان من المفترض علينا أن نجعل توليد الطاقة غير النووية حجر الزاوية في سياستنا بعد الحرب العالمية الثانية. هذه يجب أن تكون طريقتنا لتحمل مسئوليتنا الجماعية تجاه ضحايا هيروشيما وناجازاكي. نحتاج في اليابان إلى الأخلاق القوية والقيم القوية والرسائل الاجتماعية القوية. ستكون هذه فرصة للشعب الياباني ليقدم مساهمة حقيقية للعالم. مع ذلك, أهملنا أن نأخذ هذا الطريق المهم, وفضلنا اتخاذ المسار السريع "الكفاءة" في دعم تنميتنا الاقتصادية السريعة.
          كما ذكرت آنفا, يمكننا التغلب على الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية, مهما كانت  مروعة و كبيرة  . وأحيانا قد تنمو أرواحنا أقوى وأكثر عمقا من خلال عملية التغلب. هذا بالتأكيد شيء يمكننا تحقيقه.
          إن إعادة بناء الطرق والمباني المحطمة هي مهمة الخبراء, ولكن الواجب على كل واحد منا هو استعادة أخلاقنا وقيمنا التالفة. يمكننا أن نبدأ الحداد على الذين لقوا حتفهم, من خلال رعاية ضحايا هذه الكارثة,وتنمية الرغبة الطبيعية لدينا في عدم السماح لألمنا وإصاباتنا في العبث بنا. هذا سيتمثل في السعي المضني بحرص و صمت . علينا أن نوحد جهودنا لتحقيق هذه الغاية, على غرار جميع سكان القرية الذين يخرجون معا لزراعة الحقول وبذر النباتات في صباح ربيعي مشمس. كل واحد يعمل ما يستطيع, كل القلوب متحدة معا.
          نحن الكتاب المحترفون الذين على دراية باستخدام الكلمات لدينا أيضا مساهمة إيجابية في هذه المهمة الجماعية على نطاق واسع. يجب علينا ربط القيم والأخلاق الجديدة بالكلمات الجديدة, وبالتالي إبداع وبناء قصص حيوية جديدة. سنكون قادرين بعد ذلك على مشاركة  هذه القصص, سيكون لها الإيقاع الذي يمكن أن يشجع الناس, تماما مثل الأغاني التي يغنيها القرويون حين زرع البذور. أعدنا بناء اليابان التي دمرت بالكامل في الحرب العالمية الثانية. وعلينا الآن أن نعود إلى نقطة البداية نفسها مرة أخرى.
          كما ذكرت في بداية الخطاب, نحن نعيش في عالم متغير وعابر (無常). كل الحياة ستتغير وتتلاشى بعيدا في نهاية المطاف. البشر عاجزون في مواجهة قوى الطبيعة الأعظم منهم. الاعتراف بالزوال واحد من المفاهيم الأساسية في الثقافة اليابانية. بينما نحن نحترم حقيقة أن كل الأشياء زائلة ونفهم أننا نعيش في عالم هش وغير مستقر, وفي الوقت نفسه نحن متشبعون  بإرادة صامتة للعيش وبعقول إيجابية.
          أنا فخور أن أعمالي تجد تقديرا هائلا من الشعب الكاتالوني, وأنهم منحوني مثل هذه الجائزة المرموقة. تفصلنا مسافات بعيدة عن بعضنا ونتحدث بلغات مختلفة. لدينا ثقافات مختلفة. ولكن في الوقت نفسه نحن مواطنون في هذا العالم, ونتقاسم نفس المشكلات ونفس الفرح والحزن. لهذا السبب نترجم القصص التي كتبها كاتب ياباني إلى اللغة الكاتالونية ويحتضنها الشعب الكاتالوني. إنني سعيد لمشاركة نفس القصص معكم. الحلم هو عمل الروائيين, لكن تشارك الأحلام هي مهمة لا تزال أكثر أهمية بالنسبة لنا. لا يمكننا أن نكون روائيين دون هذا الإحساس بضرورة تشارك شيء ما مع الاخرين
          أعرف أن الشعب الكاتالوني تغلب على العديد من المصاعب, بينما هو يعيش الحياة على أكمل وجه وبقي على ثقافة ثرية عبر التاريخ الخاص بكم. أعتقد أن لدينا أشياء كثيرة لتشاركها .
          كم هو رائع لو كان بمقدرونا نحن في اليابان و كاتالونيا أن نبني منزلا للحالمين غير الواقعيين ونقيم "مجتمعا روحيا" الذي من شأنه أن يتجاوز كلا من البلد والثقافة. أعتقد أن هذا سيكون نقطة انطلاق لنهضتنا, ونحن قد شهدنا على حد سواء العديد من الكوارث الطبيعية وأعمال الإرهاب الوحشية في الآونة الأخيرة. يجب علينا ألا نخاف من أن نحلم. يجب ألا نسمح لكلاب مجنونة تسمى "الكفاءة" و"الراحة" أن تلحق بركبنا. يجب أن نكون "حالمين غير واقعيين", يخطون بقوة. سيضمحل الوجود البشري ويختفي, ولكن الإنسانية ستسود وسيتم مجددا الاستمرار. قبل كل شيء, يجب علينا أن نؤمن بهذه القوة.

          في الختام, سأتبرع بقيمة هذه الجائزة لضحايا الزلزال والحادث الذي وقع في محطة الطاقة النووية. إنني ممتن جدا للشعب الكاتالوني ولمحافظ كاتالونيا الذين قدموا لي هذه الجائزة وهذه الفرصة. أود أيضا أن أعرب عن عميق مواساتي لضحايا الزلزال الذي حدث مؤخرا في "لوركا".