الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

الروائية إيزابيل الليندي تتحدث عن مسيرتها الأدبية وذكرياتها في تشيلي أثناء الانقلاب المدعوم من المخابرات الأمريكية

الروائية إيزابيل الليندي تتحدث عن مسيرتها الأدبية وذكرياتها في تشيلي أثناء الانقلاب المدعوم من المخابرات الأمريكية
"الحلقة الأولى "
ترجمة : عبدالله الزماي
الجمعة 28 نوفمبر 2014م
       
        نقضي ساعة كاملة _ في يوم إجازة خاصة _ مع إيزابيل الليندي , واحدة من أعظم الروائيات اللاتينيات الأمريكيات . والتي حازت هذا الأسبوع على وسام الحرية الرئاسي . ألفت الليندي ما يقارب العشرين كتابا , من ضمنها (بيت الأرواح) و(باولا) و(ابنة الحظ) وروايتها المثيرة الأخيرة والتي عنونتها بـ(الممزق).ترجمت أعمالها إلى حوالي 35 لغة , وبيع منها ما يقارب الستين مليون نسخة حول العالم . تقيم الليندي الآن في كاليفورنيا , لكنها ولدت في بيرو في عام 1942م وسافرت حول العالم كابنة لدبلوماسي تشيلي . والدها هو ابن العم الأول لسلفادور الليندي , الرئيس التشيلي منذ عام 1970م وحتى الحادي عشر من سبتمبر لعام 1973م حين استولى أوغستو بينوشيه على السلطة بانقلاب عسكري مدعوم من المخابرات الأمريكية .توفي سلفادور الليندي في القصر الرئاسي في ذلك اليوم.هربت إيزابيل الليندي لاحقا من بلدها تشيلي إلى فنزويلا . أجرت إيمي غودمان مقابلة شعبية مع إيزابيل الليندي في نيويورك بعد نشر كتابها (الممزق) بقليل . تحدثت إيزابيل الليندي في هذه المقابلة الموسعة عن مسيرتها الأدبية وذكرياتها في تشيلي قبل وأثناء الانقلاب .

إيمي غودمان : سنقضي هذا اليوم ساعة مع إيزابيل الليندي , واحدة من أعظم الروائيات اللاتينيات/الأمريكيات . التي ألفت ما يقارب العشرين كتابا من بينها (بيت الأرواح) و (باولا) و(ابنة الحظ) وروايتها المثيرة الأخيرة التي تدور أحداثها في منطقة خليج سان فرانسيسكو , والتي عنونتها بـ(الممزق). ترجمت كتبها إلى 35 لغة , وبيع منها ما يربو على 57 مليون نسخة حول العالم .
        تعيش إيزابيل الليندي الآن في كاليفورنيا ,على الرغم من انها قد ولدت في بيرو عام 1942م وسافرت حول العالم كابنة لدبلوماسي تشيلي. والدها هو ابن العم الأول لسلفادور الليندي الرئيس التشيلي منذ عام 1970 وحتى الحادي عشر من سبتمبر لعام 1973م حين استولى أوغستو بينوشيه على السلطة في تشيلي بانقلاب عسكري مدعوم من المخابرات الأمريكية . توفي سلفادور الليندي في القصر الرئاسي في ذلك اليوم . هربت إيزابيل الليندي لاحقا من بلدها تشيلي وعاشت في المنفى في فنزويلا .
        قلدها الرئيس أوباما يوم الإثنين الماضي وسام الحرية الرئاسي .
الرئيس أوباما : حينما علمت إيزابيل الليندي أن جدها كان يحتضر في تشيلي بدأت تكتب له رسالة . تعود إليها ليلة بعد ليلة . حتى أدركت أنها كتبت بالفعل روايتها الأولى . في الحقيقة لم تتوقف أبدا . تتحدث رواياتها ومذكراتها عن الأسر والسحر والرومانسية والاضطهاد والعنف والخلاص وكل الأشياء العظيمة , ولكن على يديها يصبح العظيم متناولا ومألوفا وإنسانيا . نفيت من تشيلي بواسطة الطغمة العسكرية , فاختارت الولايات المتحدة وطنا لها . واليوم أنشأت مؤسسة على شرف ابنتها باولا لمساعدة الأسر في أرجاء العالم . تبدأ كل كتبها في الثامن من يناير , اليوم الذي بدأت به الرسالة لجدها قبل سنوات عديدة مضت . " أكتب لأدون التاريخ" تقول , " أكتب ما لا يجب أن ينسى " .
إيمي غودمان : كان هذا الرئيس أوباما يتحدث في مراسم تقليد وسام الحرية الرئاسي يوم الاثنين الماضي في البيت الأبيض .
        أجريت معك مقابلة شعبية في إبريل هنا في نيويورك بعد نشر كتابك الأخير(الممزق) بقليل . سنبدأ باليوم الذي تبدأين به جميع كتبك .
        إيزابيل , لماذا تبدئين كتبك في الثامن من يناير ؟
إيزابيل الليندي :  الانضباط . حسنا , بدأت لأن كتابي الأول ,كنت ما أزال أعيش في فنزويلا , وكان جدي يحتضر في تشيلي . وبدأت رسالة له في الثامن من يناير , عام1981م والتي أصبحت (بيت الأرواح) . ومن الحظ أنني بدأت كتابي الثاني والثالث بنفس هذا التاريخ . لكن بعد أن تعقدت حياتي فعلا بالعديد من الأشياء التي تعينني في الكتابة , ولكن الكتابة هي من أتى بها لحياتي . لذلك من الانضباط أن أخصص لي عدة أشهر من السنة حيث لا أرى فيها أحدا ولا أسافر ولا أعمل أي شيء سوى الكتابة . وحين نظرت في التقويم , احتجت أن أبدأ في يوم معين لأبدأ فيه . تعرفين أن الكتابة تتطلب الكثير من الالتزام . من المحتمل أنك تعرفين هذا. الكثير من الالتزام مثل الوقوع في الحب حيث تكون مغمورا بها بالكامل. دون أية أمور أخرى . أن تكرس كل جهدك ووقتك لها . لذلك , كان من المخيف نوعا ما لو لم يكن لدي يوم أبدأ فيه , سأماطل وأسوف إلى الأبد .
إيمي غودمان : قلت أننا سنبدأ الحديث عن (الممزق) ,لكننا سنتخذك كنموذج, الشخص الذي يعمل في فضاء حر وليس مجبرا أبدا على ما تزعمين فعله . لذلك دعينا نتوقف عند الثامن من يناير , حيث بدأت (بيت الأرواح) . حدثينا عن كتابة ذلك الكتاب الأول . أعني الشخص الذي لم يقرأ عملك من قبل , لن يكن لديه....
إيزابيل الليندي : لم يكن لدي عمل .
إيمي غودمان : لهذا , كيف انتهى بك المطاف خارج بلدك تشيلي ؟
إيزابيل الليندي : حدث الانقلاب العسكري في تشيلي في عام 1973م ,فتغيرت حياة التشيليين , بعضهم إلى الأحسن والكثير منهم إلى الأسوأ . وغادر الكثير من التشيليين البلد , وكنت أعتقد على الدوام أننا سنعود عما قليل , وستكون حالة مؤقتة.ولذلك بحثت عن بلد حيث يمكنني أن أتحدث لغتي , لأنني كنت صحافية واعتقدت أنه لا يمكنني أن أعمل كصحافية سوى في إسبانيا , والدولة التي تحظى بالديموقراطية حيث يمكنني العمل . وتلك الدولة كانت البلد الوحيد في أمريكا اللاتينية التي عرضت علي ذلك هي فنزويلا . كانت فنزويلا بلدا غنيا وكريما ومفتوح الأبواب لكل شخص يريد أن يعمل , وكذلك يتحدث الإسبانية,فاعتقدت أنني سأعمل كصحافية , الأمر الذي لم يحدث في الواقع . لكن بهذا الشكل انتهى بي المطاف في فنزويلا . وآل بي المآل أن أعمل كل أنواع المهن الغريبة ولم يخطر لي ببال أنني سأبدأ الكتابة .
إيمي غودمان : هكذا , كيف تم ذلك إذن ؟ كان معك عائلتك هناك .
إيزابيل الليندي : كان برفقتي زوجي السابق وطفلان . لكن زوجي حصل على وظيفة في وسط الأدغال , وكنت أراه كل شهرين _أقل من ذلك أو أكثر _ لذلك كنت أشعر بوحدة شديدة في حياتي . لا تقودني إلى أي مكان وأشعر أن كل شيء خافت بالنسبة لي . كنت في حوالي التاسعة والثلاثين ولم أنجز أي شيء في حياتي . شعرت أن حياتي فائضة عن الحاجة فعلا , حتى حدثت المعجزة , وبدأت كتابة ذلك الكتاب .
إيمي غودمان : لهذا كنت تكتبين كل ليلة بعد العشاء ؟  
إيزابيل الليندي : أجل , كنت أعمل لاثني عشرة ساعة في اليوم في المدرسة , لفترتين . لذلك كنت أغادر المنزل لأكون في المدرسة في السابعة صباحا وأعود بعد ذلك إلى البيت بعد السابعة مساء . هكذا , بعد أن أتناول العشاء أذهب إلى المطبخ وأكتب على آلة كاتبة محمولة .لم يكن هناك كمبيوترات بعد . حين اعتقدت أنني كتب مخطوطة ذات 560 صفحة على الآلة الكاتبة , كانت نسخة واحدة فقط , نسخة أولى . إذا كان يهمك , مثلا , ذات لحظة احتجت أن أغير اسم , لأن أمي قالت لي " لماذا منحتي النذل اسم والدك ؟ " لذلك قلت : " ما بالك مهتمة يا أمي أنتما قد انفصلتما منذ وقت طويل " . لكنها لم تقبل ذلك . لذلك كان علي أن أغيره.وجدت اسما آخر الذي كان في الواقع له نفس عدد الأحرف , وعدلت كل صفحة على الآلة . هذا ما عملته بعد ذلك . كان أمرا لا يصدق .
إيمي غودمان : هكذا أنهيت مخطوطتك . لديك المئات من الصفحات .ماذا فعلت بها ؟
إيزابيل الليندي :  عرضتها على أمي فقالت :" اعتقد أنها رواية , ليست جيدة جدا لكنها رواية ". لذلك أرسلتها إلى أصدقاء عدة , والذين كانوا ناشرين في الأرجنتين وناشرا في فنزويلا . لم يرد أحد . ولم تصلنا أية رسالة رفض لأن لا أحد قد قرأها. فلم يرد أحد . وبعد ذلك , في أحد الأيام , هاتفتني إحدى النساء العاملات باستقبال أحد دور النشر وقالت لي :" لا أحد سيقرأ هذه المخطوطة , إنها حقيرة . مخطوطة طويلة لامرأة غير معروفة . من سيقرأ هذا الشيء ؟ إنك تحتاجين إلى وكيل ". لم أكن أعرف أنه يوجد وكلاء للأدب , ظننت أنه في الرياضة فقط . فقالت لي :"كلا , هم موجودون , وإحداهن في إسبانيا وهي مشهورة جدا " . أعطتني اسمها ووجدت عنوانها لاحقا وبعثت بالمخطوطة إلى كارمين بالاسيز في برشلونة , فنشرت الكتاب .أخذته إلى دار النشر .
إيمي غودمان : لهذا كان ذلك الكتاب أول كتاب لك ينشر في إسبانيا بالإسبانية .
إيزابيل الليندي : ياه . نشرته لأن دار النشر كانت تريد كتابا لخوان مارسي , وقد كانت وكيلته . قالت :"حسنا , سأعطيكم الكتاب إذا قبلتم هذه المرأة الأخرى". لا أحد يريدني . فقالوا لها :" حسنا , لا بأس هاتها  " . وهذا ما حدث , يمكنني القول أنه في سبتمبر كان الكتاب في المطبعة , وفي بداية أكتوبر كان في معرض فرانكفورت. كل شخص وكل ناشر في أوربا أراد الكتاب . لذلك كان نجاحا مفاجئا لم يحدث من قبل . كانت معجزة حقا .
إيمي غودمان : وقد بيع منه ملايين وملايين النسخ منذ ذلك الحين عبر أرجاء العالم.
إيزابيل الليندي : أتساءل دائما , أين ملايين وملايين الدولارات؟ بناء على هذه الأرقام لقد بعت ستين مليون نسخة . لنقل أن الكتاب بدولار . ولا حتى عشرة قروش.
إيمي غودمان : وهذا ما منحك الثقة لتكتبي كتابك الثاني ؟
إيزابيل الليندي : ياه . حسنا , قالت لي كارمين حين تلقت المخطوطة :" هذا كتاب جيد جدا , لكن كل شخص يستطيع أن يكتب كتابا أولا جيدا  , لأنه سيكون قصة حياته . كل تجاربه وذكرياته المهمة بالنسبة له ستكون في كتابه الأول . يثبت الكاتب قدراته في الكتاب الثاني " . لذلك بدأت فورا بكتابة الكتاب الثاني لأثبت لها أنني يمكن أن أكون كاتبة .
إيمي غودمان : لهذا اخترت لذلك الكتاب أن يكون رواية , وكتبت رواية بعد رواية وكنت ما تزالين صحافية في تشيلي .
إيزابيل الليندي : لقد كنت صحافية رديئة , حقا كنت سيئة .
إيمي غودمان : لماذا اخترت الرواية ؟
إيزابيل الليندي : لأنها كانت أسهل بكثير من الصحافة .كونك صحافيا يجعلك تتعامل مع الحقائق . أنا ارتعب من الحقائق . أعني , جلست ابنة زوجي قبالتي وقالت أنه لا يمكنني قول الحقيقة , لأنني دائما أروي لها حكاية , والحكايات أفضل بكثير من الحقيقة . لماذا يجب أن نفسد الحكاية بالحقيقة ؟لهذا , لم أكن جيدة جدا كصحافية. لكن أمري لم يفتضح على الرغم من كل أكاذيبي . أشعر بارتياح أكبر في السرد.
إيمي غودمان : حين كنت في تشيلي طلب منك الشاعر العظيم بابلو نيرودا أن تجري مقابلة معه .
إيزابيل الليندي : امممم, طلب بابلو نيرودا مني أن أزوره في إيسلا نيجرا حيث يقيم . اعتقدت أن ذلك من أجل أن أجري معه مقابلة. ولكن بعد أن تناولنا الغداء_اعتقد أنني كنت... , أعني ,أن جائزة نوبل حرضتني على إجراء المقابلة, غسلت سيارتي وأخذت شريط تسجيل جديد , وبعد الغداء _ قلت له " أنا جاهزة سيد بابلو يمكننا أن نجري المقابلة" . " أية مقابلة ؟" قلت :" حسنا , لقد أتيت إلى هنا لأجري مقابلة معك ". فقال لي :" لن أجري معك مقابلة أبدا , أنت تكذبين طوال الوقت .لا يمكنك أن تكوني موضوعية أبدا . أنت أسوا صحافية في البلد .لما لا تتحولي إلى الأدب , حيث كل هذه العيوب تصبح مناقبا ؟ . لقد كان محقا , لكن أخذ مني ذلك وقتا طويلا . لأن هذا الحدث كان قبل أحد عشر يوما من وفاته . كان في أغسطس ..أوه لا قبل اثنين وعشرين يوما ,في أغسطس من عام 1973م . قبل انقلاب العسكري بقليل . وقد كتبت كتابي الأول في عام 1981م , لذلك كان وقتا طويلا بعد هذا الحدث .
إيمي غودمان : كيف كانت مراسم تشييع جنازته ؟ وكيف كانت ردة الفعل في البلد في تلك الظروف الساخنة جدا ؟ هل كانت جنازته قبل الانقلاب؟
إيزابيل الليندي : كلا , لقد توفي بعد الانقلاب بأحد عشر يوما . كانت أوقات ذعر للأشخاص اليساريين . أعني كل الشيوعيين كانوا مهددين ,لذلك إما تحولوا لشيء آخر أو حاولوا أن يغادروا البلد أو اختفوا أو اعتقلوا . كانت جنازة وطنية . لو كان قد توفي قبل الانقلاب لعملت الدولة ثلاثة أيام للحداد عليه . لكن ذلك اليوم ,كان يوما ماطرا . أتذكره جيدا ,لأنني كنت هناك . تجرأ القليل من الأشخاص وخرجوا واقتفوا جثمانه إلى المقبرة.
        كان السفير السويدي _رجل طويل جدا ويرتدي معطفا أسود طويلا_ من ضمن مشيعي الجنازة . واعتقدت أنه الوحيد ,لأن العسكر كانوا برشاشاتهم على جانبي الطريق , فاعتقدت أنهم حتى لو أطلقوا النار فلن يقتلوا هذا الرجل .إنه سفير.لذلك تشبثت بمعطفه ومشيت خلفه وأنا أدعو أن لا يحدث مكروه .
        بعد ذلك , وبمجرد أن تجاوزنا المبنى صاح أحد العمال . حينها اعتقدت أنه كان منفعلا جدا . هتف باسم بابلو نيرودا قائلا :"وانيروداه !" , وتنادى الجميع لصرخته  . صرخ بعدها قائلا :"الرفيق سلفادور الليندي!". وصاح الجميع :"واسلفادوراه!" . الشيء الذي فعلنا في تلك اللحظة كان يعني الموت . لذلك سرنا خلف هؤلاء الناس لا أعرف كم كان عددنا ,ربما مائة وخمسين أو مائتين ,لا أعرف . لقد كانت لحظة انفعالية جدا .
إيمي غودمان : سنعود إلى هذه المقابلة مع إيزابيل الليندي الروائية التشيلية/الأمريكية بعد لحظات .

(فاصل إعلاني )